كان أغنى ملياردير روسي يقبع قيد الأسر بين جدران إحدى زنازين السجون الروسية في العاصمة موسكو، إثر تعرضه لعملية اعتقال مباغت وغير متوقع يوم السبت الخامس والعشرين من الشهر الجاري، يقول المراقبون إنه ربما انتهى بمصادرة شركته العملاقة يوكوس التي تعد رابع شركة نفطية عالميا· ذاك هو المصير الذي بدأ يواجهه ميخائيل خودوركوفسكي اعتبارا من ذلك اليوم المشؤوم· وقد جاء الاعتقال في خضم صراعات ونزاعات حادة بين حكومة الرئيس فلاديمير بوتين، وحفنة الأقلية الاقتصادية القابضة على مفاتيح اقتصاد البلاد، علما بأن الأقلية المعنية قد أثرت وراكمت أرباحا فاحشة من خلال شرائها لممتلكات القطاع العام الحكومي برخص التراب، عبر مزادات علنية مزورة أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي·
أما لائحة الاتهامات الموجهة لخودوركوفسكي، فتشمل التزوير والاحتيال والتهرب الضريبي والسرقة والنهب، وتعود جميعها إلى عقد حالك مضى من عمليات خصخصة القطاع العام، بما في ذلك خصخصة الشركات العاملة في مجال إنتاج النفط· وعلى رغم الوجه الاقتصادي الواضح لأسباب اعتقال خودوركوفسكي، إلا أن بعض المراقبين والمحللين يقولون إن لفتح ملف التحقيقات حول شركة يوكوس واعتقال رئيسها، علاقة بالنشاط السياسي الذي يقوم به الملياردير المعتقل داخل البلاد·
يقول هؤلاء إن خودوركوفسكي يدعم الأحزاب والتيارات المعارضة التي ستخوض المعركة الانتخابية في شهر ديسمبر المقبل· وترى إرينا زفيجلسكايا الخبيرة لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية- وهو مؤسسة بحوث مستقلة غير حكومية- أن اعتقال خودوركوفسكي قد تم بترتيب واضح من قبل مسؤولين كبار في قمة الهرم الحكومي، وقصد منه توجيه رسالة واضحة للمستثمرين وكبار الرأسماليين، تدعوهم لحساب خطواتهم ألف مرة ومرة، قبل أن يقدموا على توريط أنفسهم في أية أنشطة أو انتماءات سياسية· تأكيدا لذلك قالت الخبيرة إن اعتقال الملياردير المذكور يعد عملية سياسية، أكثر من كونها قانونية بالضرورة·
على نقيض ذلك قالت متحدثة باسم المدعي العام الروسي إن الاعتقال جاء خطوة في مساءلة ومعاقبة مرتكبي الجرائم الاقتصادية بحق البلاد· وأوضحت المتحدثة أن الضرر الذي ألحقه خودوركوفسكي بالاقتصاد الروسي يتجاوز مبلغ المليار دولار، إضافة إلى تورطه في سلسلة من الجرائم، بما فيها جريمة السرقة عن طريق الاحتيال على مستوى كبير وضار بالاقتصاد القومي· إلى ذلك أضافت المتحدثة أن جرائم المتهم تشمل فشله هو وشركته أيضا في تسديد الضرائب المقررة، ووجود ما يدعم تهربه من سداد ما عليه من ضرائب·
ردا على ذلك قال خودوركوفسكي- عبر محاميه- إنه ليس نادما على أي شيء فعله في السابق، وليس نادما البتة على ما سيواجهه لاحقا· يذكر أن هذا الاعتقال قد جاء تتويجا لسباق ماراثوني طويل، يشبه سباق القطط والفئران، بين ممثلي الإدعاء الحكوميين والمتهم· وينظر الكثير من المراقبين إلى المدعين الحكوميين باعتبار أنهم مسيرون وموجهون من قبل الكرملين· هذا وقد جرى اعتقال اثنين من كبار الضباط العاملين لدى خودوركوفسكي، بينما اضطر ضابط ثالث للفرار إلى خارج البلاد· إلى ذلك تعرضت مكاتب ومنازل موظفين آخرين يعملون لصالح خودوركوفسكي للتخريب والتفتيش بواسطة قوات الشرطة الأمنية· وفي حال إدانته، فربما يقضي خودوركوفسكي عقوبة سجن قد تمتد لعشر سنوات· وفي يوم السبت الماضي، وهو تاريخ اعتقال المتهم، أعطت محكمة روسية المدعين حق حبس المتهم على ذمة التحقيق، حتى موعد أدناه شهر ديسمبر المقبل، كي تكتمل التحقيقات ·
كان المتهم قد اعتقل خلال غارة صباحية مبكرة، شنتها عليه قوات أمنية مسلحة سلاحا ثقيلا، يوم السبت الماضي الموافق الخامس والعشرين من أكتوبر الجاري، سارعت إلى تطويق طائرته الخاصة واقتحامها أثناء تزويدها بالوقود في أحد مطارات سيبريا· ووصف المتحدث الإعلامي باسم شركة يوكوس عملية المداهمة والاعتقال بأنها أقرب ما تكون إلى الدراما وعالم الأفلام السينمائية بقوله: لقد استخدموا لتلك العملية قوات خاصة مسلحة ومتحفزة تماما مثل تلك التي تستخدم في مواجهة الإرهابيين· وأوضح المتحدث أن قوات الشرطة قد نفذت غارات على أحد بيوت الأيتام التي ترعاها الشركة، إضافة إلى مداهمة مكتب كبير المحامين الذي يتولى الشؤون القانونية للشركة، ومنازل ومكاتب كبار المسؤولين في الشركة·
وفي يوم الخميس الماضي 23 أكتوبر، كان المدعون الحكوميون قد أمروا بمصادرة مكاتب شركة علاقات عامة كانت تتولى إدارة وتنظيم الحملة الانتخابية لحزب يابلوكو الليبرالي، وصادرت الشرطة كافة أجهزة الكمبيوتر والوثائق والأموال الخاصة بذلك الحزب·
يذكر أن خودوركوفسكي كان لا يخفي دعمه لحزب يابلوكو الذي يعد الحزب الليبرالي الرئيسي المعارض للكرملين· وبجانب ذلك، يزعم بعض المراقبين والخبراء أن خودوركوفسكي كان لا يتردد أيضا في دعم الحزب الشيوعي وغيره من التيارات اليسارية الأخرى، وفق استراتيجية هادفة للحيلولة دون تحقيق الأحزاب الموالية للكرملين أغلبية لها داخل ا